بلا هوية

Writer: Rowaa El-sayed

Editor: Nada Basyouni and Menatullah Ahmed


أنا، كلمةٌ ما زِلتُ لا أفقَهُ معناها بالكامِل، لكنني مجبرٌ على استخدامِها بكثرة..أنا، ثلاثةُ حروفٍ قد التصقوا بلا مغزَى..أنا، حالةٌ مُنفَرِدةٌ قد نُسِجَت خيوطُها على وتيرةِ الفوضَى..أنا، خليطٌ من كل ما حولي..مزيجٌ من الحبِّ والكُرهِ وبِضعةِ جُنون..أنا، ذاكَ الاطمئنان الذي يُخالِطُه خوفٌ وذاكَ الضجيجُ الهادئُ..أنا الوطنُ المُغتَرِب.. وبالأكثَرِ أنا ذاكَ الذي أخذَ يتراقصُ على حبلٍ أوله حربٌ وآخره سلام..أنا، كلمةٌ تحمِلُ من التناقُضِ ما يكفي..كحرٍ مقيّدٍ وصرخةٍ صامِتةٍ، كمشهدٍ زاخِرٍ بالأحداثِ قد بقى مُمِلًا..كلوحةٍ ينعتُها الجميع بالغيرِ مفهومة، كنتُ أنا!

موجودة وغير مَرئيّة، مثل شمسِ الغروبِ..راحِلةٌ ومُريحةٌ في آنٍ واحد..أنا تِلكَ التي وقفت على حدودِ اللاشيء..بِلا هويّةٍ تُحدّدني..وبِلا رأيٍ يُمثِلُني..بلا وجهة نظرٍ تُنصِفُني أو مبدءٍ ثابت يُجَسِّدُني..بلا لونٍ يُميزّني أو عرقٍ يُصّنِفُني..وبلا ملامحٍ تَصِفُني أو حتى اسمٍ يُلقِبُني..كنتُ أنا!

يتهاوَى جسدي بين جُنباتِ يومي المُتناثِر وتتبعثَرُ الأفكار بين زوايا عقلي المتناطِح..يُراودُني ذاكَ السؤالُ من جديدٍ فألقيه على مسامِعي مرةً أخرى لعلّي أجِدُ إجابةً تُرضيني وتُصمِتُ ثرثرةَ عقلي اللامُتناهية..أستجوِبُ ذاتي وأتساءلُ إلى أين تنتمي؟ ولكنها قد اتخذت من الصمتِ سبيلًا لها تارِكةً إيّايَ أتأرجَحُ بين إجاباتٍ وهميةٍ قد اختلقتُها..فيتوهُ سؤالي الوحيد في خِضَمِ كل ذاك التشتت..والآن، يُحاصِرُني واقِعٌ لا أجيدُ قِراءته..باتت سُطورَه مبتورةً ومعانيهِ مجهولة..واقِعٌ لا يمتّ لي بصِلَةٍ، مُستهجَنٌ تمامًا!

صباحُ خريفٍ آخر قد أعلَن مجيئه..لطالما كان الخريفُ الأقربَ إلى قلبي، لطالما شعرتُ بأنه يُشبِهُني..ربما لأنه مشوشٌ بعضَ الشيء..فتتساقطُ أوراق أشجارِه واحدةً تِلوَ الأخرى..وتبقى الأغصانُ وحدَها صامِدة في مهبِّ الريح، غير مُدرِكة لِمَ ومتى حلّ بها كل ذلك..تبقى مهجورةً موحِشةً حتى حلولِ شتائِها المُفضّل..ويا ليتَ شتائي يحلُّ أيضًا!

رائحةُ القهوة تداعِبُ أنفي بخفتها المُعتادة، أدثّرُ نفسي من صقيعِ ذاك الشتاء الذي قد عادَ مبكرًا وأمضي باتجاهِ الشُرفة..تلك التي لطالما شهِدَت على صِراع أفكاري الذي لا يسكُن..أتأملُ حباتِ المطر وهي تتساقَطُ رويدًا رويدًا..وكأنها تعزِفُ لي لحنًا خافِتًا قد وجدَ طريقه مُباشرةً إلى قلبي..وألمحُ من بعيد تلك الأشجارِ التي قد نمَت أوراقُها حديثًا..وأتساءل إن كان لي فُرصةٌ للتغيّر مثلها..فهل لي بعد الهلاكِ خلاص؟ وهل لي بعد التيهِ مأوى؟

أتتَّبع همسَها وأحاولُ الإصغاءَ علِّي أعِي ما ترنو إليه، فوجدُتها تحدِّثُني بلَهجةِ من مرَّ بتجرُبةٍ مُشابِهةٍ:
“تاريخُكِ هو ميراثُكِ، احمِليه على عاتقكِ وسيري به في الطريقِ الذي تختاريه..لا تُهمليه أو تتخلِ عنه..فأنتِ لا شيءَ دونَ ماضيكِ..لا شيء دونَ جُذوركِ“
     
     وكان همسُ الأشجارِ كفيلًا لأصبح ذا هويّة