لحظات تضجُّ بالحياة

Writer: Menna Ahmed

Editor: Nada Basuony

أثناء رِحلتنا البسيطة فى تلك الحياة نُجبر فى كثير من الأحيان على خوض دروب وتحمل مشقتها و قسوتها و التأقلم على ما فيها مِن غموض و ريبة شديدين، تارة يُسيطر عليك اليأس بِكُل ما أُوتِىَ مِن قوة، و تارة اخرى يجتاح الحُزن بقاع قلبك ،تبتسم رغمًا عنك و عن براكين الآلام التى أحرقت حُمَمها بِداخلك كُل ذرة من كيانك حتى أمسيتَ هيكلاً من الرماد!
هذه اللحظات الآثمة التى يفقد فيها المرء ذاته، مليئًا برتوش وندبات الروح، ضائعًا في بحر من الذكريات التى تأبى أن تتركه، تتأرجح به الحياة وحيداً في بقعة ما بين الشرق و الغرب، منطرحاً على الأرض يُبكى فى وضعية الجنين كطفل أضاع أُمّه، مستسلماً كامل الاستسلام للخوف الذى بات ينهش فى جسده الهزيل دون أدنى مقاومة منه، ومتمنياً من خالقه لو أنه لم يكن! ولكن يكون هناك دائماً بصيص أمل يدفعك إلى التقدم و النهوض من جديد، يعيد لك بهجة روحك لثوانٍ معدودة فى قلب انخراطك بهذا العبث، يُعلمك بأن السعادة لم تمح أثرها بعد من حياتك، وستطغى عليها بالكامل قريبًا جدا.
قد يأتي على هيئة شعاع من آشعة قرص الشمس الدافئة وقت الضحى، يُجدد كل شعاع منها خلايا جسدك ورَوحك المُتهشمة، يُلملم فُتات قلبك الذى أنهكْتَه وحملته على عاتقه أكثر مما ينبغى، و ينظف غبار هواجسك اللانهائية طوال الليل.
أو يأتيك على هيئة سماعك لصوت بكاء السماء بقطرات الودق التى تتلألأ على أوراق الشجيرات فتسقط بدورها على صفحة النيل البراق المقدس مكونة صفحة من اللُجين لتزيده جمالاً على جماله، ووقوفك وسط هذه اللوحة الربانية البديعة منفرج الذراعين وداعياً ربك بعفوية تلقائية.
أو شعورك بالراحة عندما تتصفح كتابك المفضل من جديد، و تَشُم رائحته لمرات ومرات دون ملل.
أو يأتيك الاطمئنان على هيئة عِناق أمك، تحتويك داخل ضلوعها فتشعر و أنت فى كنفها بالأمان والسكينة، تدوى بيديها الحنونتين بقايا ندوب روحك و شظايا آلامك المتناثرة هُنا و هُناك، و تنسج بحبها كل جزء مُحطم فيك لينبض بالحياة من جديد، هى وطن يحجب ظلال قسوة أيامك، هى حب ما بعده حب، و عطاء لا يضاهيه عطاء، عجباً لتلك المرأة التي استطاعت بلمساتها السحرية البسيطة-بالنسبة لها-أن تجعل تحت قدميها ألف جنة و جنة!
قد تتأمل تارة فيالق الفراشات التي تُسحرك ألوانها البديعة و هى تتراقص على حواف الزهور التى تفوح بعبير يُطرب روحك، فتشعُر معها بالحرية، و تسترخى تارة أخرى عندما يُسدل الليل عبائته السوداء المرصعة بالجواهر الضئيلة التى تُدعى بالنجوم فتحملق فيها حفنة تلو الأُخرى و تحاول عدها كما كنت تفعل فى طفولتك و لكنك-كالعادة-لا تحصيها!
ثم تميل بعينك قليلاً فترى البدر متوسطاً تلك الجواهر الضئيلة بكبرياء وشموخ؛ ليضئ وميضه دُجى الليل الحالك، ويضئ معه أيضًا ذلك الشغف المكنون بداخلك الذى يظل يكبر أكثر فأكثر طالما حييت..ثم بدون سابق إنذار تأتيك السكينة على هيئة نسمات فجرية ،تلك التي تبتهل لها روحك، يقشعر لها بدنك و تتهلل لها أساريرك، حاملة معها من الروائح أزكاها..فتشعُر معها بصفاء الروح و السلام الداخلي.
لذا..فافعل فعل ما بوسعك حتى تكون بحالة جيدة ،أنت أعلى و أقوى من أن تُكرس حياتك للألم و تجعل له و لو ثوانٍ من وقتك، أترك فرحتك المتواضعة تصل إلى عنان السماء، وأطلق سراح روحك، وستتنفس بدورها الصعداء.